* " مدونة تبحث عن الحق على مذهب {الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة } الطائفة المنصورة التي لايضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي الله بأمره " * .

الخميس، 16 يونيو 2016

العلة في قول الله تعالى في عدة ألفاظ ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( الفظالمون ) ( الفاسقون ) في سورة المائدة .

السؤال : مامعنى التنويع في قول الله تعالى في سورة المائدة : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) وقال أيضاً : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) وقال أيضاً : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) ؟ 

المجيب : الشيخ عبدالعزيز الطريفي وفقه الله  يقول : 

( مايتعلق بهذه المسألة في حكم الله عز وجل ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ( الفاسقون ) ( الظالمون ) هذا الحكم الذي جاء في كلام الله سبحانه وتعالى جاء عن بعض السلف حمل ذلك على اليهود والنصارى ، وكذلك أيضاً منهم من قال بأن هذا الحكم توجّه لليهود والنصارى ويتوجّه أيضاً لمن يشابههم من أهل الإسلام ، وجاء هذا عن غير واحد من السلف كعامر بن شراحيل الشعبي كما رواه ابن جرير الطبري وغيره . 
هذا الحكم جاء عن بعض السلف المراد بذلك : هو من شرّع حكم الله سبحانه وتعالى ولكنه من جهة العمل به قام بالتفريط بالتشريع ، إذا يعُلم الناس أن الله شرّع كذا وهذا هو الواجب ولكن يقوم بالتجاوز ، إذاً تجاوزه عملي وهذا جاء عن بعض السلف عن عبدالله بن عباس كما رواه ابن جرير الطبري وكذلك أيضاً جاء عن قتاده وكذلك أيضاً قد جاء عن مجاهد بن جبر أن المراد بذلك هو كفر دون كفر وجاء أيضاً عن عبدالله بن عباس رضوان الله عليهم : " ليس الكفر الذي تذهبون إليه " وهذا على الحالين . 
في جانب التشريع كفر بالله عز وجل يُحمل الكفر على الكفر الأكبر ، وفي جانب العمل بالتشريع أو التقصير في بعض الجزئيات فنقول هو داخل في هذه الدائرة ولهذا نقول إن الدولة على حالين : 
* دولة تشّرع حكم الله ولا تخالف حكم الله سبحانه وتعالى في تشريعه أو في أصل التشريع ولكن خطأها في التطبيقات فهذه دولة إسلامية والحاكم في ذلك مسلم ولكنه بمقدار مخالفته وتجاوزه للتطبيق الذي شرّع الله عز وجل له يكون في ذلك حكمه ، إن زاد في ذلك ظلماً يُزاد في ذلك عقوبته وكذلك النكير عليه .
* الدوله الثانية : مايتعلق بدولة تشرع حكماً غير حكم الله سواء كلياً أو جزئياً ولوشريعة واحدة فأحلوا - مثلاً - الزنا برضى الطرفين فنقول هذا الحكم ليس للدولة وكذلك الحكم ليس حكماً اسلامياً والحاكم في ذلك ليس حاكماً مسلماً ) انتهى كلامه 

الحكم فيمن يشرع قوانين تخالف الشريعة ويترك تحكيم الشريعة


السؤال  : مالحكم فيمن يشرع قوانين تخالف الشريعة ويترك تحكيم الشريعة ؟

المجيب : فضيلة الشيخ : عبدالعزيز الطريفي وفقه الله فيقول :

( بالنسبة للتارك للتشريع أو المشرّع من دون الله سبحانه وتعالى ، الذي يشرع نظاماً من دون الله سبحانه وتعالى نقول هذا على حالين :

الحالة الأولى : إذا كان نظامه يخالف تشريع الله سبحانه وتعالى ، فيأتي للمواضع التي شرّعها الله حلالاً أو حراماً فيقوم بعكسها ، فنقول بأن هذا كفر بالله سبحانه وتعالى ولا يختلف في ذلك أحد ( أي من العلماء ) كالدولة التي تشرّع - مثلاً - الزنا بأنه حلال أو تشرع - مثلاً - مايتعلق باللواط بأنه حلال أو تشرّع - مثلاً - مايتعلق بشرب الخمر بأنه حلال أو غير ذلك ، نقول : هذا كفر بالله تعالى ولا يختلف في ذلك أحد لقول الله جل وعلا : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ..)) الربوبية هنا ليس المراد بذلك الصلاة والعبادة ولكن جعلوه مشرّعين من دون الله سبحانه وتعالى ، لهذا نقول إن هذا الخطاب هذا لايتوجه إلى العامل بما شرع به ولكن يتوجه إلى ذات التشريع ، لهذا الذي يشرع من دون الله قانوناً يناقض ماشرعه الله عز وجل في كتابه وما استفاض وتواتر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فليس من أهل الإسلام سواءً كان قانوناً أو كان حاكماً .

مايتعلق بالجانب الآخر وهو جانب الذي يشرّع حكم الله سبحانه وتعالى في قانونه ونظامه ولكن يقوم بتجاوزات في العمل به ، فالتجاوزات في مثل هذا العمل نقول : لايدخل على الأرجح في الحكم الأول وله حكم آخر وهو مغلــّظ ومرتبته في ذلك فوق مرتبة الكبائر باتفاق العلماء .

الجمعة، 13 مايو 2016

زواج المسلم من المجوسية

- ماحكم زواج المسلم من المجوسية - التي هي من عبدَة النار- وهل يكون الزواج بها مثل أهل الكتاب ؟ 

والجواب : زواج المسلم بالمجوسية لايصح شرعا ولا تحل ذبائح المجوس بشكل عام ولا نسائهم بنكاحهن وقد ورد في تحريمة حديث مرسل عن الحسن بن الحنفية يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : (( فَصْلٌ وَأَمَّا " الْمَجُوسِيَّةُ " فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ . " أَحَدُهُمَا " أَنَّ الْمَجُوسَ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا وُجُوهٌ . " أَحَدُهَا " أَنْ يُقَالَ : لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَحِلَّ طَعَامُهُ وَلَا نِسَاؤُهُ . أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَفِيهَا نِزَاعٌ شَاذٌّ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } { أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ كَرَاهَةَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَمَنْعًا لِأَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَدَفْعًا لِأَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طَائِفَتَيْنِ لَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَانِعٍ )) ثم ذكر عدة أدلة على خطأ من قال بأن المجوس لهم كتاب ثم قال رحمه الله : (( فَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّة وَغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَقَالَ : سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ نَاكِحِي نِسَائِهِمْ وَلَا آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ } وَهَذَا مُرْسَلٌ . وَعَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تُوَافِقُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ خِلَافٌ ...... وَفِي الْآخَرِ هُوَ حُجَّةٌ إذَا عَضَّدَهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَوْ أُرْسِلَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ . وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . فَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَهَذَا الْمُرْسَلُ نَصٌّ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْمُتَقَدِّمَيْنِ )) إلى أن قال (( وَالدِّمَاءُ تُعْصَمُ بِالشُّبُهَاتِ ؛ وَلَا تَحِلُّ الْفُرُوجُ وَالذَّبَائِحُ بِالشُّبُهَاتِ )) .
و قد نقل عن علي رضي الله عنه أن قال بأن للمجوس كتاب ثم رفع قال شيخ الإسلام رحمه الله ( قِيلَ : هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ لَا أَنَّهُ الْآنَ بِأَيْدِيهِمْ كِتَابٌ ) .
و قال بن حزم رحمه الله ( وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ، وَهِيَ الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ، بِالزَّوَاجِ‏.‏ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ اَمَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلاَ نِكَاحُ كَافِرَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ اَصْلاً‏ ) .
و أما احتجاج من أجاز الزواج بنساء المجوس بحديث النبي صلى الله عليه و سلم ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) فهذا خاص في ضرب الحزية بالإجماع .
ثم إن لفظ الحديث يدل على أنهم ليسوا من أهل الكتاب ففرق النبي صلى الله عليه و سلم بينهم و بين أهل الكتاب و أمرنا أن نُلحقهم في الجزية بأهل الكتاب .

زواج المسلم من الكافرة أو المشركة والكتابية والمسلمة كذلك

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد  : 
 فهذا بعض تفصيل لزواج المسلم من المشركة أو من أهل الكتاب وزواج المسلمة من المشرك أو الكتابي
المسألة الأولى : زواج المسلم من الكافرة و هذا على ضربين :
الأول : زواج المسلم من المشركة غير الكتابية فهذا حرام بنص الكتاب قال تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (221) سورة البقرة .
قال قتادة كما في تفسير بن جرير ( في قوله تعالى : " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " : يعني مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه ) .
قال بن جرير رحمه الله (وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام على ظاهرها خاص باطنها ، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها . وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " للمؤمنين من نكاح محصناتهن ، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات ) .
و قال بن كثير رحمه الله (هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ثم إن كان عومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) .
قال تعالى : " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ " قال بن كثير رحمه الله (تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات ، والاستمرار معهن ) .
و في صحيح البخاري من حديث المسور ومروان بن الحكم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساء من المؤمنات ، فأنزل الله عز وجل : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ " إلى قوله : " وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ " فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين ، تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ، والأخرى صفوان بن أمية ) .
و هذا مجمع عليه بين العلماء قال ابن قدامة رحمه الله: "وسائر الكفار غير أهل الكتاب، كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان، فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم، وذلك لما ذكرنا من الآيتين وعدم المعارض لهما )
الضرب الثاني : الكتابية و هذه جاز الزواج منها كما نص عليه الكتاب و هو قول جمهور الصحابة و التابعين .
قال تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) سورة المائدة .
قال بن كثير رحمه الله (وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا ) .
و قد قال بالجواز عدة من الصحابة و التابعين (عثمان وطلحة وابن عباس وجابر وحذيفة، ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك ) .
و قد أجاب أهل العلم على من احتج بآية البقرة على تحريم زواج الكتابيات بجوابين :
الجواب الأول : أن آية البقرة خاصة في المشركين و لا يدخل فيها أهل الكتاب البتة فعلى هذا لا تعارض بين الآيتين و لا تخصيص و لا نسخ و أن المعهود من كتاب الله تعالى التفريق بين أهل الشرك و بين أهل الكتاب قال بن جرير رحمه الله (وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية ما قاله قتادة من أن الله تعالى ذكره عنى بقوله : " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام على ظاهرها خاص باطنها ، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها . وذلك أن الله تعالى ذكره أحل بقوله : " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " للمؤمنين من نكاح محصناتهن ، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات ) .
الجواب الثاني : أن أية المائدة خصصت آية البقرة فبقي التحريم على نساء المشركين أما نساء أهل الكتاب فجاز الزواج منهم بنص آية المائدة قال بن كثير رحمه الله ( قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب . وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم ) ثم قال رحمه الله (وقيل : بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرد أهل الكتاب بالكلية والمعنى قريب من الأول والله أعلم ) .
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ( إذا قدر أن لفظ المشركات ولفظ الكوافر يعني الكتابيات فآية المائدة خاصة وهي متأخرة نزلت بعد سورة البقرة والممتحنة باتفاق العلماء .... والخاص المتأخر يقضي على العام المتقدم باتفاق علماء المسلمين لكن الجمهور يقولون أنه مفسر له فتبين أن صورة التخصيص لم ترد باللفظ العام وطائفة يقولون أن ذلك نسخ بعد أن شرع ).
و قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله جوابا ثالثا فقال ( الوجه الثالث إذا فرضنا النصين خاصين فأحد النصين حرم ذبائحهم ونكاحهم والآخر أحلهما فالنص المحلل لهما هنا يجب تقديمه لوجهين
أحدهما أن سورة المائدة هي المتأخرة باتفاق العلماء فتكون ناسخة للنص المتقدم ولا يقال أن هذا نسخ للحكم مرتين لأن فعل ذلك قبل التحريم لم يكن بخطاب شرعي حلل ذلك بل كان لعدم التحريم بمنزلة شرب الخمر وأكل الخنزير ونحو ذلك والتحريم المبتدأ لا يكون نسخا لاستصحاب حكم الفعل ولهذا لم يكن تحريم النبي ص = لكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ناسخا لما دل عليه قوله تعالى قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية من أن الله عز وجل لم يحرم قبل نزول الآية إلا هذه الأصناف الثلاثة فإن هذه الآية نفت تحريم ما سوى الثلاثة إلى حين نزول الآية ولم يثبت تحليل ما سوى ذلك بل كان ما سوى ذلك عفوا لا تحليل فيه ولا تحريم كفعل الصبي والمجنون ..... الوجه الثاني أنه قد ثبت حل طعام أهل الكتاب بالكتاب والسنة والإجماع والكلام في نسائهم كالكلام في ذبائحهم فإذا ثبت حل أحدهما ثبت حل الآخر وحل أطعمتهم ليس له معارض أصلا ويدل على ذلك أن حذيفة بن اليمان تزوج يهوديه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل على أنهم كانوا مجتمعين على جواز ذلك ) .
 

ما ذكرناه هو قول الجمهور و هو الحق إن شاء الله لما ذكرنا من أدلة .
و القول الثاني هو قول بن عمر وهو القول بالتحريم فقال رضي الله عنه (حرم الله المشركات على المؤمنين، ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله ) و قال بعض أهل العلم في هذا القول (وهذا قول خارج عن قول الجماعة، الذين تقوم بهم الحجة ) .
و حجة بن عمر رضي الله عنه هي آية البقرة و قد بينا توجيه أهل العلم آية البقرة و الجمع بينها و بين آية المائدة و الأصل أن الجمع بين الدليلين أو لى من طرح إحداهما .
مسألة : ما المراد بالإحصان في آية المائدة :
القول الأول : من شرط الزواج من الكتابية أن تكون عفيفة و هذا الشرط حقيقة ليس خاص بالكتابية بل يعم المسلمة و الكتابية كما قال تعالى {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (3) سورة النــور و في آية المائدة قال تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) سورة المائدة فكرر الله تعالى الإحصان و المراد هنا به العفة كرره عند ذكره لنساء المؤمنين و نساء أهل الكتاب فدل على أهمية هذا الشرط و التشديد عليه و لولا ذلك لكان ذكره مرة واحدة في كفاية لإفادة المراد فتنبه قال الشعبي رحمه الله ( هو أن تحصن فرجها، فلاتزني، وتغتسل من الجنابة ) .
قال بن كثير رحمه الله (وهو قول الجمهور هاهنا ، وهو الأشبه ، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة ، فيفسد حالها بالكلية ، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل : " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا ) .
لذا كان عمر رضي الله عنه يشدد على هذا الشرط و كان من شدة يأمر الصحابة بطلاق نسائهم الكتابيات خشية من زواجهم من غير المحصنات (عن شقيق بن سلمة قال : تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر : خلِّ سبيلها . فكتب إليه : أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها ؟ فقال : لا أزعم أنها حرام ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن ) و (وعن عامر بن عبدالله بن نسطاس : أن طلحة بن عبيد الله نكح بنت عظيم اليهود ، قال : فعزم عليه عمر إلا ما طلقها ) .
القول الثاني : الحرية أي يجوز لنا الزواج من حرائر أهل الكتاب و لا يجوز لنا التزوج من إمائهم و قد قال بهذا مجاهد و رجحه الطبري في تفسيره .
و أما رد بن جرير على من قال بأنهن العفائف و استدلاله ببعض آثار الصحابة و التابعين بتزويج من زنت ثم تابت فهذا لا حجة فيه لأن التوبة تجب ما قبلها و من الظلم منع التائبة من الزنا من الزواج بحجة أنها يوما من الدهر قد زنت هذا لا يقره الشرع و لا العقل أبدا فتدبر .
ثم من تاب لا يقال هو في هذه الحالة غير محصن بل هن يدخلن في المحصنات المؤمنات أي العفائف .
ثم يقال شرط العفاف شرط أصلي منصوص عليه بغير هذه الآية و مجمع عليه عليه و هو كذلك داخل في هذه الآية سواء قيل أن الإحصان يراد به العفة أو الحرية لأن العفة تدخل دخولا أوليا في لفظ آية المائدة ثم بعد يدخل شرط الحرية من باب أن اللفظ المشترك يدخل فيه جميع معانيه إن كانت غير متناقضة كما هو قول الجمهور و لا مناقضة هنا بين العفة و بين الحرية فتدبر .
و أما الزواج من الأماء فنقول إذا كانت الأمة المؤمنة لا يجوز أن يتزوجها الحر إلا إذا خشي العنت و الصبر أفضل من الزواج منها كما قال تعالى {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (25) سورة النساء فإماء أهل الكتاب يدخلن في هذه الآية من باب أولى بل لعله يحرم الزواج منهن كما هو مفهوم الآية ( من فتياتكم المؤمنات ) أي غيرهن من إماء أهل الكتاب لا يجوز الزواج منهن .
فنخلص إلى آية المائدة تشمل الشرطين شرط العفة و شرط الحرية و لا مناقضة الشرطين .
مسألة أخرى : في الزواج من الكتابيات الحربيات فهذه المسألة سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال :
"لايحل، وتلا قول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسول ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
وقال ابن عباس أيضا ( في قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}: "هو على العهد دون الحرب، فيكون خاصا ) و كره مالك ذلك .
قال السرخسي رحمه الله: "بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن سئل عن مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب؟ فكره ذلك، وبه نأخذ، فنقول: يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب، ولكنه يكره، لأنه إذا تزوجها ثمة، ربما يختار المقام فيهم وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من كل مسلم مع مشرك، لا تراءى ناراهما )
ولأن فيه تعريضَ ولده للرق ، فربما تحبل فتسبى، فيصير ما في بطنها رقيقا، وإن كان مسلما، وإذا ولدت تخلق الولد بأخلاق الكفار، وفيه بعض الفتنة، فيكره لهذا ) .
قال بن عابدين رحمه الله ( وفيه أن إطلاقهم الكراهة في الحربية يفيد أنها تحريمية، والدليل عند المجتهد على أن التعليل يفيد ذلك، ففي الفتح: ويجوز تزوج الكتابيات، والأولى أن لا يفعل … وتكره الكتابية الحربية إجماعا، لافتتاح باب الفتنة، من إمكان التعليق المستدعي للمقام معها في دار الحرب، وتعريض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر، وعلى الرق، بأن تسبى وهي حبلى، فيولد رقيقا، وإن كان مسلما )
وقال النووي رحمه الله: "ويحرم نكاح من لا كتاب لها … وتحل كتابية، لكن تكره حربية، وكذا ذمية على الصحيح".
قال الخرقي رحمه الله: "ولا يتزوج في أرض العدو، إلا أن تغلب عليه الشهوة، فيتزوج مسلمة ويعزل عنها، ولا يتزوج منهم، ومن اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج، وهو في أرضهم
قال بن القيم رحمه الله ( وإنما الذي نص عليه أحمد، ما رواه ابنه عبد الله، قال: كره أن يتزوج الرجل في دار الحرب، أو يتسرى، من أجل ولده، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا يتزوج ولا يتسرى الأسير، ولا يتسرى بمسلمة، إلا أن يخاف على نفسه، فإذا خاف على نفسه لا يطلب الولد ) .
 

                        ***********************************************************

المسألة الثانية : مسألة زواج المسلمة من الكافر و يدخل فيه الكتابي و غير الكتابي فهذا حرام بالكتاب و الإجماع :
أما الكتاب فقد قال تعالى {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (221) سورة البقرة قال بن جرير رحمه الله ( يعني تعالى ذكره بذلك ، أن الله حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركا كائنا من كان المشرك ، ومن أي أصناف الشرك كان ، قلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم ، فإن ذلك حرام عليكم ، ولأن تزوجوهن من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله ، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ، ولو شرُف نسبه وكرم أصله ، وإن أعجبكم حسبه ونسبه ) .
و قال الشيخ السعدي رحمه الله ( وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " وهذا عام لا تخصيص فيه ) .
قال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " [ الممتحنة : 11]
قال بن كثير رحمه الله ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " هذه الآية حَرّمَت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة .ا.هـ. فهذان دليلان من كتاب الله صريحان في تحريم زواج الكافر من المسلمة ) .
و أما الإجماع فقد قال بن عبد البر رحمه الله ( ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله : " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " إلى قوله : " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر ) .
و قال القرطبي رحمه الله في التفسير ( قوله تعالى : " وَلَا تُنكِحُوا " أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك ، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام ) .
ثم إن هذا الإجماع ضروري فلا زالت الأمة تنتناقل حرمة زواج المسلمة من الكافر قولا و عملا سواء كان الكافر مشرك أو كتابي دون أي نكير من أحد لا من عالم و لا من عامي مع استناد هذا الإجماع على النصوص القرآنية التي تدل على التحريم .
و من آثار الصحابة رضي الله عنهم فقد قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ( نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا ) .

الاثنين، 14 مارس 2016

متى يكون الهجر ؟ ؟ وقفات مع أحاديث الهجر في السنة .

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي الأمين وبعد : 

النفس البشرية تقوم على التوازن بين العقل والعاطفة والإنسان لديه مشاعر وأحاسيس لابد أن تكون مقنّنة من قبل الشرع حتى لايحصل طغيان لامن طرف العقل ولا من طرف العاطفة على النفس أوعلى الغير . 
ومسألة الهجر هي ضرب للعاطفة والمشاعر ، وإذا علمنا ذلك فلا بد أن نعلم أن الهجر في الشرع لابد له من ضوابط ومنها : 

* أن هجر الشخص يكون بسبب معصية عملها وذنب عظيم ارتكبه فيهجر هذا الشخص لأجل اصلاحه وتوبته وتقويمه ولو طال الهجر لأكثر من ثلاث ليال ويدلل لذلك هجر النبي صلى الله عليه وسلم للثلاثة الذين خلفوا - كما في صحيح البخاري - رحم الله الجميع خمسين ليلة ، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام الناس بهجرهم ، بل وأمر الثلاثة الذين خلّفوا باعتزال نسائهم في آخر عشر ليال ، وكل ذلك للتكفير عنهم وتقويمهم فأفادهم رضي الله عنهم ذلك الهجر وفرحوا فرحاً عظيما بتوبة الله عليهم ، حيث قال في محكم التنزيل في أواخر سورة التوبة : (( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثمم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم )) والثلاثة هم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيهع وهلال بن أمية

* أن هجر الشخص يكون بشرط عدم طغيان ذلك المهجور أو اصراره على معصيته  وحصول الفتنة له ، فإذا غلب على الظن أن الشخص المهجور لاينتفع بالهجر بل سيزيده ذلك اصراراً وظلماً وفساداً على ماهو فيه فلا يُهجر ، ولكن ينصح ويوجه ويرُشد للخير ويُقرع سمعه دائما بآيات الوعيد والعذاب والترهيب والترغيب حتى تبرأ الذمة ولعل ذلك الشخص ينتفع ، وقد سئل عن مثل ذلك الشيخ ابن باز فأجاب بما نصّه : "  المقصود أن الهجر للمعاصي والبدع لا يتقيد بثلاثة أيام بل ذلك يتقيد بحال صاحب البدعة، صاحب المعصية التي أعلنها، فمتى تاب وأقلع عن معصيته وعن بدعته سلم عليه إخوانه، ومتى أصر على المعصية الظاهرة أو البدعة الظاهرة استحق أن يهجر، وشرع هجره حتى يتوب إلى الله من ذلك، إلا إذا كان هجره يزيد الشر، ويترتب عليه مفاسد أكثر فإنه لا يهجر حينئذٍ دفعاً للمضرة الكبرى والشر الأكبر، على حسب قاعدة الشريعة في ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت كبراهما، وفي تحصيل أعلى المصلحتين ولو بفوات الدنيا منهما، والحاصل أنه مقام عظيم، يتفاوت فيه الناس، فمتى كان الهجر أصلح للعاصي والمبتدع هجر المدة التي يبقى فيها مصراً على المعصية والبدعة، فإذا تاب وأعلن رجوعه سلم عليه إخوانه المسلمون، ومتى كان الهجر يزيد الشر ويزيد الفتنة ويترتب عليه شر أكثر من معصيته وبدعته على المسلمين أو سيزداد شره وبلاؤه فإنه حينئذٍ لا يهجر، ولكن ينصح ويوجه دائماً، لعله يرجع إلى الصواب، ويبين له خطؤه ويظهر له من إخوانه كراهة لعمله والاستنكار لعمله، حتى يرجع عن ذلك مع العناية بما يردع شره ويقلل شره ويسبب سلامة الناس منه " *1*

* استفاذ الحيل مع المهجور قبل الهجر لأن الهجر مخالف للطبائع السوية وأمر طارئ على البشر ليس من أصول طبائعها وراحة الإنسان بتركه ، ويلمّح النبي عليه الصلاة والسلام إلى مثل ذلك في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عند الترمذي وأحمد : ( لايبلّغني أحدٌ عن أحدٍ من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) 

 ثم إن مسألة الهجرلأكثر من ثلاث ليال حذر منها الشرع بشكل عام وسنسرد الأحاديث التي بينت خطورة ذلك وعقوبته ومنها مايلي : 

  • حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " متفق عليه  
  •  حديث فضالة بن عبيد عند الطبراني بسند صحيح  " من هجر أخاه فوق ثلاث فهو في النار إلا أن يتداركه الله برحمته "   .                                          
  • حديث أبي هريرة في مسند أحمد وسنن أبي داوود  " لايحل لمسلم أن يهجر اخاه فوق ثلاث ، فمن هجر فوق ثلاث فمات فهو في النار " صححه الألباني 
  •  
  •  حديث هشام بن عامر في مسند إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله  أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " لايحل لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاث ، فإنهما ناكبان أي مائلان عن الحق ماداما على صرامهما ، وأولهما فيئاً - أي رجوع لصاحبه - يكون سبقُه بالفيء كفارة له ، وإن سلّم فلم يقبل وردّ عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان ، فإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعاً أبدا " وأخرجه الطبراني وأبي يعلى وابن حبان وصححه .  
  •  حديث أبي خراش السلمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من هجر أخاه سنة فهوكسفك دمه " رواه أبو داوود وصححه الألباني   .  

   وهذا ماتيسر جمعه وبالله التوفيق  .
-------------------------------------------------
*1* من موقع الشيخ ابن بازhttp://www.binbaz.org.sa/noor/552 

السبت، 12 مارس 2016

غناء أهل الجنة

الحمد لله الذي أعد لعبادة دار الأبرار واصطفى لها من عباده الأخيار والصلاة والسلام على الصفوة المختار وعلى آله وصحبة ممن تبوأ الإيمان والدار وعنا معهم وسلم تسليما كثيراً أما بعد :

أيها القراء الكرام إن مما امتن الله على عباده أنه ماحرم شيئاً إلا أحل مكانه مما يغني عنه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة وإن مما حرمه سبحانه السماع والإستماع إلى الأغاني على فرق بينهما لغوياً فقيل أن الإستماع هو سماع الشيء وتدبره وتأمله والسماع هو سماع الشيء من غير تدبر ولا تأمل أو مع قليل من التدبر .
وبغض النظر عن هذا الموضوع فإن السماع أو الإستماع للأغاني والمعازف محرم شرعاً بلا خلاف يُذكر في هذا الموضوع بدليل الكتاب وصراحة الأحاديث في ذلك ، يقول الله تعالى : (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب أليم )) "1" ولقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عند البخاري : " ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " وقد بين عليه الصلاة والسلام أنه إذا حدث ذلك وقع الخسف والقذف والمسخ قردة وخنازير لمن فعل ذلك .
والله عوض وأبدل من ترك هذه المعازف والأغاني بإنشاد الشعر والنشيد بلا ايقاعات محرمة وأبدلهم في الجنة بغناء الحور العين والزوجات في دار النعيم . 
وقد وردت الأدلة بذلك صراحة ومنها : 

* حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قطّ  ، إن مما يغنّين : نحن الخيّرات الحسان أزواج قوم كرام " رواه الطبراني في المعجم الأوسط وصححه الألباني .
وأما ماورد من حديث موضوع في حرمان من سمع الغناء في الدنيا وأنه لن يسمعه في الآخرة حيث قيل : من له بالغناء لم يؤذن له أن يسمع صوت الروحانيين يوم القيامة ، قيل وما الروحانيون ؟ قال : قراء أهل الجنة " فقد أشار الكثير إلى وضعه . 

* ومما ورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحور في الجنة يغنين يقلن : نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام " وقد روى هذا ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط وقد وُثقوا رجاله وصححه الألباني . 

وأما حديث الشجرة التي جذعها من ذهب وأوراقها من زبرجد تهب عليها ريح فتهزها فتسمع لها أعذب أصوات فإنه حديث ضعيف لم يصح لألفاظه طريق والله أعلم  . 

---------------------------
"1" سورة لقمان آية رقم 6