* " مدونة تبحث عن الحق على مذهب {الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة } الطائفة المنصورة التي لايضرها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي الله بأمره " * .

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

الرد على دعوى النصارى في اتحاد كلمة الله بجسد المسيح .

يعتقد النصارى أن كلمة الله التي هي ( كن ) اتحدت بجسد المسيح ولهذا رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ] فقال عنهم وهم يتكلمون عن هذه الكلمة التي أطلقها الله تعالى فتأمل رده يقول : " وأما قولهم  ( فكان طيراً بإذن الله ) أي : بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت فهذا إذا قالوه على أنه مذهبهم من غير أن يقولوا أن محمداً أراده تكلمنا معهم في ذلك وبينا فساد ذلك عقلاً ونقلاً .
وأما قولهم : أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يقول : " أن المراد إذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت " فهذا من البهتان الظاهر على محمد صلى الله عليه وسلم وهو من جنس قولهم : أن قوله  :
(( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم .....)) الآيه
أراد الله به النصارى .
ومن جنس قولهم : (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً . . . )) الآيه  أراد به العرب .
ومن جنس قولهم : (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات . . )) الآيه أراد بهم الحواريين .
ومن جنس قولهم : (( آلم * ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين )) أراد به الإنجيل  .
فهذه المواضع التي فسروا به القرآن , وزعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم الذي بين للناس ماأنزل إليهم , كان يريد بما يتلوه من القرآن هذه المعاني , وهي من الكذب الظاهر الذي يدل على غاية جهل قائلها أو غاية معاندته , ولكن مثل هذا التأويل ليس مستغرب من النصارى , فإنهم قد فسروا مواضع كثيرة من التوراة والإنجيل والزبور والنبوات بنحو هذه التفاسير تحريفاً التي حرفوا فيها هذا الكلام التي جاءت به الأنبياء تحريفاً ظاهراً فبدلوا بذلك كتب الله ودين الله وضاهوا بذلك اليهود الذين حرفوا وبدلوا , وإن اختلفت جهة التحريف والتبديل , فتحريفهم للقرآن من جنس تحريفهم للتوراة والإنجيل , وهم من الذين يدَعُون المحكم ويتبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله . 
لكن في هذه المواضع حرفوا المحكم الذي معناه ظاهر لايحتمل إلا معنى واحداً فكانوا من الجهل والمعاندة أبعد عن الصواب ممن حرّف معنى المتشابه , وذلك أنه قد عُلم بالإضطرار من دين محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : أن المسيح عبدالله مخلوق كسائر المرسلين وأنه ــ أي المسيح ــ يكفّر الذين يقولون : هو الله أو ابن الله . 
قال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابم مريم قل فمن يملك من الله شيئاً أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً ولله ملك السماوات والأرض ومابينهما يخلق مايشاء والله على كل شيءقدير )) المائدة آية 17 . 
وقال تعالى : (( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومامن إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذابٌ أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ماالمسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقةٌ كانا يأكلان الطعام .  .  .  .  ))  الآيه ــ المائدة آية 72, 73 , 74 , 75 .
فقد ذكر النصارى في قولهم : هو الله مرتين , وذكر أنه ليس المسيح إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل فغايته الرسالة كما قال في محمد صلى الله عليه وسلم : (( وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل . . . )) سورة آل عمران آية 144 .
وغاية أمه أن تكون صديقة ودل بهذا أنها ليست بنبية , ثم قال : (( كانا يأكلان الطعام )) وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية لحاجة إلى مايدخل جوفه ولما يخرج منه مع الفضلات .
والرب تعالى أحدٌ صمد ٌ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد , والنصارى يقولون أنه يلد وأنه يولد وأن له كفواً كما بُين في موضع آخر وقد أخبر بعبودية المسيح في غير موضع كقوله : (( ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون * وقالوا أألهتنا خيرٌ أم هو ماضريوه لك إلا جدلاً بل هم قومٌ خصمون * إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني اسراءيل )) سورة الزخرف آية 57ــ 59 .
وأخبر تعالى أن أول شيء نطق به المسيح قوله : (( إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا )) سورة مريم آية 30 .
وقال تعالى : (( وإذ قال الله ياعيى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك مايكون لي أن أقول ماليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته . . . )) سورة المائدة آية 116 ــ 117  .  . . .  "  إلى آخر ماقال رحمه الله .
ثم يقول رحمه الله : " فالمقصود في هذا المقام أن هؤلاء كذبوا على محمد صلى الله عليه وسلم كذباً ظاهراً معلوماً للخلق المؤمنين به والمكذبين له ليس هو كذباً خفياً , وإن قُدّر أن ماقالوه كان معقولاً فكيف إذا كان ممتنعاً في صرائح العقل ؟ بل هو قول غير معقول أي غير معقول ثبوته في الخارج وإن كان يُعقل مايختلفون , ويُعلم به فساد عقولهم لمن قال سائر الأقوال المتناقضة الفاسدة التي يمنتع ثبوتها في الخارج وذلك كما بُسط ذلك في موضع آخر , فإن قولهم : بإذن اللاهوت الذي هو كلمة الله المتحدة في الناسوت باطل من وجوه :
منها : أن تلك الكلمة إما أن تكون هي الله , أو صفة من لذاته , أو لاهي ذاته ولا صفة له , أو الذات والصفة جميعاً .
فإن لم تكن ذات الله ولا صفته ولا الذات والصفة كانت بائنة عنه مخلوقة له , ولم يكن لاهوتاً ــ أي المسيح ــ بل ولا خالقه , وحينئذٍ فلم يتحد بالمسيح لاهوت , بل لم يتحد به ــ أي المسيح ــ فلو كان اتحد به صار مخلوق .
وإن كانت الكلمة هي الذات أو الذات والصفة فهي رب العالمين وهي ( الأب ) عندهم , وهم متفقون على أن المسيح ليس هو الأب , ولم يتحد به الأب بل الإبن .
وإن كانت الكلمة صفة لله عز وجل فصفة الله ليست هي الإله الخالق , والمسيح عندهم هو الإله الخالق وأيضاً فصفة الله قائمة بذاته لاتفارق ذاته وتحل بغيره وتتحد به وكلمة الله عندهم اتحدت بالمسيح .
وإن قالوا : قولنا هذا كما تقول طائفة من المسلمين : إن القرآن أو التوراة أو الإنجيل حل في القراء أو اتحد بهم وأن القديم حل في المخلوق أو اتحد به ونحو ذلك . قيل : لو كان قول هؤلاء صواباً لم يكن لهم فيه حجة فإنه على هذا التقدير لافرق بين المسيح وبين سائر من يقرأ التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وأنتم تدّعون أن المسيح هو الله أو ابن الله مخصوصاً بذلك دون غيره , وأيضاً فهؤلاء وجميع الأمم متفقون على أن قرّاء القرآن وسائر الكتب الإلهية ليس واحد منهم هو الله ولا هو ابن الله ولا أنه خالق للعالم فإذا جعلتم
قولكم مثل قول هؤلاء لزمكم أن لايكون المسيح هو الله ولا ابن الله ولا رباً للعالم , وأيضاً فلم نعلم أحداً من هؤلاء قال : أن اللاهوت اتحد بالناسوت ولا أن القديم اتحد بالمحدث ولا أن كلام الله هو والمخلوق شيئاً واحداً فالاتحاد باطل بااتفاق هؤلاء وغيرهم . 
ولكن طائفة منهم أطلقت لفظ الحلول , وطائفة انكرت لفظ الحلول , وقالوا إنما نقول ظهر القديم في المحدث لاحل فيه , لكن قالوا مايستلزم الحلول . وسلف المسلمين وجمهورهم يخطّئون هؤلاء ويبينون خطأهم عقلاً ونقلاً وقولهم ليس هو أحد من أئمة المسلمين ولا قول طائفة مشهورة من طوائف المسلمين كالمالكية والشافعية والحنفية واالحنبلية والثورية والداوودية والإسحاقية وغيرهم .
ولا قول طائفة من طوائف المتكلمين من المسلمين لا المنتسبين إلى السنة كالأشعرية والكرّامية ولاغيرهم كالمعتزلة والشيعة وأمثالهم  , وإنما قال ذلك طائفة قليلة انتسبت إلى بعض علماء المسلمين مثل قليل من المالكية والشافعية والحنبلية وهؤلاء غايتهم أن يقولوا بحلول صفة من صفات الله وكذلك من قال بحلول الرب واتحاده في العبد من طوائف الغلاة المنتسبين إلى التشيع والتصوف أو غيرهم فهم ضُلال كالنصارى , مع أنهم لاحجة للنصارى على هؤلاء إذ كان مايقولونه لايختص به المسيح بل هو مشترك بينه وبين غيره من الأنبياء والصالحين , والنصارى تدّعي اختصاص المسيح بالاتحاد مع أن المتحد بالناسوت صار هو والناسوت شيئا واحداً , ومع الإتحاد فيمتنع أن يكون لأحدهما فعل أو صفة خارج عن الآخر , والنصارى يدّعون الإتحاد ثم يتناقضون فمنهم من يقول : جوهر واحد , ومنهم من يقول : جوهران , ومنهم من يقول : مشيئة واحدة , ومنهم من يقول : مشيئتان . .  "  انتهى كلامه حفظه الله فيلزمهم أن يقولو بعد ذلك كله أن تكون كلمة الله لاهي ذات الله ولا صفة له ولا هي متحدة بالناسوت والله أعلم وأحكم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق